قطاع التجزئة السعودي بين “الشارع” و”الجوال”: لماذا غابت التطبيقات المتخصصة؟
فراس وليد
مدون وكاتب مقالات تقنية
رغم أن الأسواق السعودية تنبض بالحركة، لا سيما من قِبل المتاجر الصغيرة والمتوسطة (SMEs)، إلا أن الرقمنة ما زالت تعاني فجوة واضحة. فبينما نزلت المتاجر إلى “الشارع”، لم تدخل بعد “الجوال” بالمعنى الحقيقي — أي التطبيقات الذكية المتخصصة التي تربط التجربة الفعلية بالرقمية.
يشير تحليل قطاع التجزئة السعودي إلى أن التحول الرقمي الجزئي خلق ما يسمى بـ “الطبقة الوسطى المفقودة”: متاجر تجاوزت بداياتها في واتساب وسلة، لكنها لم تبلغ بعد مرحلة “التطبيق المخصص” أو “التجارة الموحدة” (Omnichannel Commerce)
1. التحول من الواتساب إلى المنصات المحلية
اعتمدت آلاف المتاجر الصغيرة في المملكة على واتساب بزنس كوسيلة بيع أولى. هذا الحل كان سهلاً ومجانيًا وملائمًا ثقافيًا في مجتمعٍ تُبنى فيه الثقة قبل الصفقة.
لكن رغم كفاءته في التواصل، أدى الاعتماد الكامل عليه إلى فوضى تشغيلية بسبب غياب التكامل مع المخزون والفواتير وتتبع الطلبات
انطلاق منصات مثل سلة وزد مثل نقلة نوعية في مسار التحول الرقمي، إذ قدّمت أدوات إدارة متكاملة وبوابات دفع محلية (مدى، STC Pay، Apple Pay) وأنظمة شحن متصلة. ومع ذلك، كشفت التجربة لاحقًا عن تنميط بصري وتجاري (Commoditization) جعل آلاف المتاجر تبدو متشابهة في الشكل والتجربة
2. الفجوة الرقمية الجديدة: “دخلت الإنترنت.. لكنها لم تدخل الجوال”
لا يعني الانتقال إلى “سلة” أو “زد” دخول المتجر فعليًا إلى “عالم الجوال”. فالتطبيق المتخصص (Native App) ليس موقعًا إلكترونيًا متجاوبًا، بل قناة مملوكة (Owned Channel) تمكّن التاجر من التواصل المباشر مع عميله عبر الإشعارات الفورية (Push Notifications) وبرامج الولاء المدمجة.
ميزة التطبيق المتخصص أنه لا يكرر تجربة المنصات، بل يصنع علامة تجارية رقمية مستقلة، تُمكّن التاجر من الاحتفاظ بولاء العملاء دون الحاجة لإعلانات مدفوعة باهظة
3. العقبات أمام امتلاك التطبيقات
رغم الفوائد الواضحة، فإن ثلاثة حواجز تحول دون تبني المتاجر السعودية للتطبيقات المتخصصة:
-
نقص المهارات التقنية (Technical Skills Gap):
نحو 88% من قادة الأعمال السعوديين أقروا بوجود نقص في الكفاءات التقنية، وخاصة مطوري تطبيقات الجوال -
تعقيد الإدارة التشغيلية:
الانشغال بإدارة المخزون والتوصيل والتسويق يجعل من تطوير تطبيق جديد مهمة إضافية مرهقة. -
تكلفة التطوير:
فبينما تكلف باقة “زد” الاحترافية نحو 13,800 ريال سنويًا، يتطلب تطوير تطبيق مخصص مبالغ قد تتجاوز عشرات الآلاف
4. من المتجر إلى المنظومة: الحاجة إلى التكامل الكامل
الحلول القادمة يجب أن توحّد التجربة بين “الشارع” و”الجوال”.
أنظمة نقاط البيع السحابية (Cloud POS) مثل Salla Point وZid POS تشكّل اليوم القلب النابض لهذا التكامل، حيث تربط المخزون بين المتجر الفعلي والمتجر الإلكتروني بشكل لحظي
وهذا الربط يمكّن من خدمات مثل “اشتر أونلاين واستلم من الفرع” (BOPIS) التي يفضلها المستهلك السعودي المعاصر.
5. الولاء هو العملة الجديدة
المرحلة القادمة ليست عن “جذب العملاء”، بل عن امتلاكهم.
تؤكد الإحصاءات أن تكلفة استقطاب عميل جديد أعلى بخمس مرات من الاحتفاظ بعميل حالي. ومع غياب أدوات الولاء المتكاملة في “سلة” و”زد”، ظهرت شركات سعودية مثل بونات Bonat ورسال Resal لتقديم حلول ولاء متقدمة تربط نقاط الشراء في المتجر الفعلي والتطبيق
الفرصة الآن تكمن في دمج الولاء داخل التطبيقات، لا كإضافة مدفوعة، بل كميزة أساسية تعزز العلاقة بين التاجر والعميل.
6. البيانات: من الوصف إلى القرار
التجار لا يحتاجون لوحات بيانات معقدة، بل لتوصيات تنفيذية مباشرة.
الجيل القادم من التطبيقات سيستفيد من الذكاء الاصطناعي لتقديم تحليلات توجيهية (Prescriptive Analytics) تقترح إجراءات عملية، مثل تنبيه التاجر بنقص منتج في فرع معين أو إرسال عرض خاص لعميل متكرر بعد فترة انقطاع
7. توصيات للمستثمرين والمطورين
-
التركيز على نموذج “الطبقة المكملة” (Enabling Layer) الذي يتكامل مع “سلة” و“زد” بدل منافستها.
-
توفير صانع تطبيقات مخصص (App Builder) منخفض التكلفة ومبني على التكامل عبر واجهات برمجة التطبيقات (APIs).
-
دمج أنظمة الولاء والتحليل ضمن تجربة المستخدم دون اشتراكات إضافية.
-
استهداف التجار في المرحلة المتوسطة (إيرادات بين 500 ألف و5 ملايين ريال) الذين وصلوا إلى “سقف الزجاج” الرقمي
الخلاصة
“الجوال” في عالم التجزئة لم يعد مجرد قناة بيع إضافية، بل أصبح أداة لبناء علاقة دائمة بين التاجر والمستهلك.
وإذا كان “الشارع” هو موطن الثقة التقليدية، فإن “التطبيق” هو موطن الولاء الرقمي.
من ينجح في بناء هذا الجسر بينهما — بتجربة مخصصة وذكية — سيقود مستقبل التجارة السعودية في العقد القادم.
المصادر
أعمال نتشرف بها
