لن تنقرض البرمجة اليدوية… لكنها لن تعود كما كانت

تاريخ النشر: 6 نوفمبر 2025
FERAS
فراس وليد
مدون وكاتب مقالات تقنية

في مساءٍ طويلٍ وهادئ، يجلس مبرمج أمام شاشته يتأمل سطور الشيفرة التي كتبها قبل سنوات.
كان يومها يشعر بالفخر، فكل سطر من تلك الأكواد كأنه لوحة رسمها بيده.
لكنّه اليوم يتساءل بصوتٍ خافت:

“هل سيأتي يوم تُكتب فيه الشيفرات كلها بواسطة الذكاء الاصطناعي؟ وهل ما زال لعملي هذا مستقبل؟”

سؤال يبدو بسيطاً، لكنه في الحقيقة يختصر تحوّلاً تاريخياً في عالم التقنية.
فما بين البرمجة اليدوية الكلاسيكية (Traditional Programming) وظهور أدوات التوليد الذكي (Generative AI Tools)، بدأ ميزان الإبداع البرمجي يتغير.
لكن إلى أين يتجه؟ وهل سيبقى المبرمج إنساناً يصنع الكود، أم سيصبح مجرد مشرف على آلة تفعل كل شيء؟


🔹 أولاً: البرمجة اليدوية.. الفنّ الذي لا يُقدَّر بثمن

البرمجة اليدوية ليست مجرد كتابة أوامر. إنها حرفة إبداعية تجمع بين المنطق والخيال، بين التحليل والعاطفة التقنية.
هي تلك اللحظات التي يبتكر فيها المبرمج خوارزمية جديدة أو يحل مشكلة استعصت على الفريق لساعات.
كل من عاش تجربة “الـDebugging” يعرف أن لحظة اكتشاف الخطأ تشبه اكتشاف كنزٍ صغير!

منذ بدايات البرمجة، كان المبرمج هو المهندس والمفكر والفيلسوف في آن واحد.
فهو من يصمم الأنظمة، ويضع بنية الحلول، ويقرر كيف يتفاعل المستخدم مع التقنية.
وحتى اليوم، رغم كل التقدّم، لا يمكن لأي ذكاء اصطناعي أن “يشعر” بتلك المتعة ولا أن “يفهم” السياق كما يفعل الإنسان.


🔹 ثانياً: كيف غيّر الذكاء الاصطناعي مشهد البرمجة؟

لنكن صريحين…
ما يفعله اليوم الذكاء الاصطناعي في عالم البرمجة مذهل لدرجة تربكنا أحياناً.
فأدوات مثل GitHub Copilot باتت تكتب أكثر من 40٪ من الكود بدلًا عن المطورين.
وChatGPT Coder يستطيع توليد تطبيقات كاملة بلغة Flutter أو Laravel بمجرد وصف نصي.
أما Replit Ghostwriter فيحلل الأخطاء، ويقترح الحلول فورًا وكأنه زميل عمل ذكي لا ينام.

لكن خلف هذا البريق، يظل هناك سؤال أخلاقي وتقني عميق:
من يملك المنطق الحقيقي للكود؟ من يتحمّل مسؤولية الأخطاء إن وُجدت؟
الآلة تنفذ فقط… لكنها لا تفهم “لماذا”.
والمبرمج، رغم بطء يده أحيانًا، يبقى وحده من يدرك “السبب” و”المقصد”.


🔹 ثالثاً: المبرمج الجديد… قائدٌ لا ناسخ أكواد

قد لا نكتب في المستقبل كل سطر بأيدينا، لكننا سنكتب الفكرة التي تُنتج الكود.
وهنا يظهر مفهوم “هندسة الأوامر” (Prompt Engineering):
فنّ توجيه الذكاء الاصطناعي بلغة دقيقة ليصنع ما نريده تماماً.

المبرمج في هذا العصر لن يكون مجرد “كاتب كود”، بل “مهندس حلول” يفكر استراتيجيًا، يوجّه الأدوات الذكية، ويضبط أداءها بما يخدم الهدف التجاري والتقني.

بمعنى آخر:

سننتقل من “كيف نكتب الكود؟” إلى “كيف نجعل الذكاء الاصطناعي يكتب ما نريد؟”

وهي نقلة تشبه ما حدث حين انتقلنا من الأوامر الثنائية (Binary Code) إلى اللغات عالية المستوى (High-Level Languages) مثل C وPython.
الفرق أن هذه المرة، نكتب بالعقل لا بالأصابع.


🔹 رابعاً: ما الذي لا يمكن للذكاء الاصطناعي أن يفعله؟

رغم التطور الهائل، لا يزال الذكاء الاصطناعي عاجزاً عن بعض الأمور التي تشكل جوهر البرمجة البشرية، ومنها:

  1. الابتكار الحقيقي:
    الآلة تعيد تركيب ما تعلمته، لكنها لا تبتكر فكرة جديدة من فراغ.

  2. الفهم السياقي:
    المبرمج يدرك أن المشروع ليس مجرد كود، بل منتج يخدم تجربة مستخدم، وسوق، وهدف ربحي.

  3. القرار الأخلاقي:
    لا يمكن لآلة أن تقرر إن كان استخدام كودٍ ما سيؤدي إلى ضرر أو تجاوز للخصوصية.

  4. المرونة في التفكير:
    البشر يتعاملون مع المفاجآت، أما الذكاء الاصطناعي فينهار خارج نطاق بياناته.

ببساطة، يمكن للذكاء الاصطناعي أن يكتب الكود…
لكن لا يمكنه أن “يفهم” المشروع.


🔹 خامساً: المهارات التي تحفظ للمبرمج مكانته في المستقبل

إذا أردنا أن نكون صادقين مع أنفسنا، فالمبرمج الذي يكتفي بكتابة الأكواد سيختفي.
أما من يتطور ليصبح مهندس أنظمة ومصمم أفكار فسيظل مطلوبًا أكثر من أي وقت مضى.

إليك المهارات التي ستصنع مستقبل المبرمج الحقيقي:

  • 🔸 إتقان هندسة الأنظمة System Architecture.

  • 🔸 فهم الذكاء الاصطناعي وتكامل البيانات AI & Data Integration.

  • 🔸 التميز في أمن المعلومات Cybersecurity.

  • 🔸 اكتساب مهارة التحليل النقدي والمنطقي.

  • 🔸 تطوير الحس التجاري لفهم احتياجات السوق.

الذكاء الاصطناعي قد يكتب لك الكود،
لكنه لن يعرف ما إذا كان مشروعك ناجحًا أو لا.


🔹 سادساً: بين الخوف والأمل

أعرف مبرمجين خائفين من فقدان وظائفهم، وآخرين متحمسين لهذا العصر الجديد.
والحقيقة أن الفريقين على حق بطريقة ما.

الخائف يرى في الذكاء الاصطناعي خصماً ينافسه على لقمة العيش،
أما المتحمس فيراه أداةً تُضاعف قوته عشر مرات.

في رأيي الشخصي، كل من يتعلم كيف يفكر “مع” الذكاء الاصطناعي لا “ضده”،
سيجد نفسه في موقعٍ قيادي في مشاريع الغد.


🔹 سابعاً: خلاصة الرأي الصريح

لن تنقرض البرمجة اليدوية، لكنها ستتغيّر إلى الأبد.
لن تكون مهمتنا القادمة كتابة الأوامر، بل كتابة الرؤية.
لن نبرمج الأجهزة، بل سنبرمج العقول التي تبرمج الأجهزة.

الذكاء الاصطناعي ليس النهاية… بل بداية مرحلة جديدة يصبح فيها الإنسان هو “العقل الموجّه” لا “العامل المنفّذ”.

وكما لم تُلغِ الآلة الحاسبة علم الرياضيات،
كذلك لن يُلغي الذكاء الاصطناعي علم البرمجة،
بل سيمنحنا وقتًا لنفكر أعمق… ونبدع أكثر.

أعمال نتشرف بها

    خطوات سهلة لتبدأ طلبك الآن

    فقط قم بتعبئة البيانات التالية وسنكون على تواصل